مشكلة الكتابة في السياسة في بلادنا أن القارئ لا يحبها وأن الكاتب لا يتقنها، لكنها الأحداث تفرض ذاتها وتعلن عن نفسها هذه المرة كحدث ليس عابراً ولا مجرد تكرار لما سبق، وإنما متراكم مع ما سبق.
وقبل أن نتحدث عما يجري بمنطق السياسة من المفيد أن نلقي نظرة على المشهد العالمي، ففيه ما يكفي من الأسرار وفيه ما يمكن أن يساعد على تفسير الأحداث وما يليها.
في وقت تجري محاولة جادة وقوية لإنهاء سيطرة قطب واحد على العالم، وفي مرحلة تحولات لم تنضج بعد ولم تصل الرواية لنهايتها، فإن مثل هذه الأحداث تأتي لإجراء اختبارات لمدى جدية وقوة والتزام القطب الثاني بالتدخل، وهنا فإن الدول تسائل نفسها إن كان هذا الوقت مناسباً للتدخل، أم إنها لن تستدرج إلى جولة لم تختر ساحتها.
ثم إن الغرب يريد أن يرتب منطقة الشرق الأوسط قبل أن تعلن الولايات المتحدة رغبتها في إنهاء شغفها برائحة النفط العربي وتتفرغ لمتاعب التنين الصيني ومن والاه.
القصة الحقيقية هنا التي لا يأتي أحد على ذكرها هو إحياء لصفقة القرن التي طرحتها الولايات المتحدة سابقاً، ولمن نسي ما صفقة القرن فهي باختصار دفن القضية الفلسطينية مقابل المال والمساعدات.. فثمة تدرج بالشعارات التي حكمت العلاقة مع الاحتلال من مقولة الأرض مقابل السلام إلى شعار السلام مقابل السلام ومن ثم لعبة السلام مقابل المال.
عندما أخفق مشروع الشرق الأوسط الجديد من خلال احتلال العراق ومن ثم حرب تموز وخطاب كونداليزارايس الشهير إلى جانب السنيورة في بيروت جاء «الربيع العربي» ليحوله إلى شبه واقع على الأرض ويمكن إلقاء نظرة خاطفة على الخرائط العربية لتروا كم تقسمت الدول وكم أصبح الشرق الأوسط جديداً جداً.
والآن ما يجري هو عملية قيصرية لصفقة القرن.. عملية تجري مع محاولة إخفائها بضجيج الحرب وأصوات المدافع ومناظر الدماء.
والسؤال هل يمكن أن تنجح هذه العملية، وقد توافق عليها تحت عناوين مختلفة كثر من قادة العالم؟
يقيني أن أي محاولة لدفن القضية الفلسطينية محاولة فاشلة، وهي هذه المرة تحمل معها كل عوامل وأسباب فشلها.
ما يغري الآخرين بإمكانية نجاحها هو حالة العرب التي تثير الأسى وتدعو إلى كثير من التشاؤم.
وأكتفي هنا بنقل ما قاله الصحفي المعروف محمد حسنين هيكل في محاضرة عن أزمة العرب في عام 1995: «إن الأمة وقفت أمام خيار متعسف مؤداه أن الذين يعترضون على الأمر الواقع بما فيه السلام غير المتوازن مع إسرائيل ليس أمامهم إلا أن يواجهوا المستقبل المظلم».
ويكملها بعبارة قاطعة مانعة عن الدول التي تمانع ذلك «وإذا لم يبرئوا أنفسهم بقبول كل شيء بما فيه ذلك السلام فإنهم بالاعتراض متواطئون -وإن لم يقصدوا- مع قوى الظلام».
أيها السادة عملية قيصرية لصفقة القرن تتم الآن.. تتم تحت شعارات براقة وبوسائل وغايات دنيئة.
أقوال:
– ثمة صوتٌ بلا كلمات أنصِتْ إليه.
– إننا نحاول دوماً تفسير الأمور وفق ما نريد، لا وفق ما هي عليه.
– السياسة حرب باردة، والحرب سياسة ساخنة.
المصدر: الوطن أون لاين