بالتأكيد ما يجري في مناطق شرق الفرات، وانتفاضة القبائل العربية ضد قسد، هو تطور مهم وكبير، في مسار الأزمة السورية، لكن هناك الكثير من الحقائق يجب أن نتوقف عندها، حتى لا تضيع وسط غبار المعارك.
أهم ما يجب أن نتوقف عنده، هو ضرورة التفريق بين قسد والشعب الكردي، لأن قسد مجموعة عملاء، مرتبطة بالاحتلال الأمريكي، ومع البرزاني العميل في كردستان العراق، وحتى مع الكيان الصهيوني، ومعظم عناصرهم من العشائر العربية، التي انتفضت عليهم اليوم، ولا بد من الإشارة إلى ملاحظة مهمة جدا، وهي أنه ليس كل الشعب الكردي مع قسد، ومع توجهاتها، أما الأكراد كشعب، فهم مكون أصيل من مجتمعنا السوري، ولهم بصمات مهمة جدا في تاريخ سورية، وهم متجذرون في أرضهم منذ آلاف السنين، وبالتالي لا يمكن إلغاؤهم ولا تجاهلهم، وقد تعرضوا لمظالم عديدة، يجب إنصافهم فيها، ضمن الثوابت الوطنية، ويتميز مجتمعهم بأنه منفتح، وفي سوية علمية عالية، وعلمانيون، أما من يأخذ عليهم تعصبهم لكرديتهم وثقافتهم ولغتهم، فهذا حقهم، لأنه جزء من هويتهم الاجتماعية والتاريخية، ولا نستطيع إنكارها عليهم، ونبيح ذلك لأنفسنا، ونعتقد بأن حل هذه الإشكالات، يكون من خلال تربية وطنية جامعة، لنعترف بأننا فشلنا في تكوينها سابقاً، تضع هويتنا السورية فوق الجميع، وكن تحتها كما تشاء، وعلى سبيل المثال، لا أعرف ما هو الخطر على الوطن، احتفال الشعب الكردي بعيد النيروز، الذي هو عيد أصيل، من تاريخ سورية ومنطقة بلاد الشام كلها.
كما أن عداء الشعب الكردي للنظام التركي، يجب أن يكون مصدر قوة لنا، للوقوف في وجه الأطماع التركية، الواضحة والمعروفة في بلادنا.
أما حراك العشائر ضد قسد، فلا يزال تكتنفه الكثير من الغموض، وهنا نسجل بعض الملاحظات:
من حق العشائر الانتفاضة في وجه قسد، وهي التي أذلت هذه العشائر، واعتدت على قيمهم وعاداتهم، رغم أن معظم عناصر قسد من هذه العشائر، وهذه القضية تؤخذ على العشائر، بقدر ما تؤخذ على قسد.
لم يتضح حتى مدى ارتباط الحراك العشائري، بالعمل الوطني ضد الاحتلالين الأمريكي والتركي، مع علمنا بأن الكثير من شيوخ العشائر مرتبطين ارتباطاً وثيقاً مع الأمريكي والتركي، خاصة وأن معظم من يعمل في الساحة ضد قسد اليوم، هم من الجيش الوطني، وأحرار الشام، ومجموعات الشامية والشرقية، المرتبطين مع النظام التركي، وهذا يزيد من شكوكنا وحذرنا.
عدم رؤية أعلام الوطن، مع أي من المجموعات العشائرية المنتفضة.
يمكن أن ننظر إلى الصمت الأمريكي عما يجري بريبة، بأن يكون هدفه تحجيم دور قسد، إرضاء لتركيا، وهذا يعني أن ما يجري يمكن أن يكون بتوافق أمريكي تركي، بهدف جر تركيا بشكل كامل إلى جانب التحالف الأمريكي، وإبعادها عن روسيا إيران ومسار أستانا.
ما يزيد من شكوكنا هذه، استدعاء الخائن العميل رياض حجاب إلى أمريكا، بالتزامن مع ما يجري، وهناك حديث عن قيام منطقة إدارة مدنية شرق الفرات، تحل مكان مجلس دير الزور العسكري، ويتولى حجاب إدارتها.
هناك مشكلة عند العشائر والقبائل، بتعدد الشيوخ، وتعدد ولاءاتهم، حتى بتنا لا نستطيع معرفة من هو الشيخ الحقيقي، الذي تلتزم العشيرة أو القبيلة برأيه.
وحتى لا يعتقد بعض الأخوة من شيوخ العشائر – الذين يجهرون بوطنيتهم، وانضوائهم تحت سقف الوطن، مثل الشيخ نواف البشير، ومشعل أبو عبد الكريم الجربا، والدكتور فارس السلمو الطائي، والعديد من الشيوخ في كل المناطق، الذين أصدروا بيانات وضعوا أنفسهم فيها تحت سقف الوطن – حتى لا يعتقد هؤلاء الشيوخ الأكارم، أننا نتجاهل دورهم وموقفهم الوطني والأخلاقي، فموقفهم مقدر ومحترم، لكن لا نعرف حتى الآن فيما إذا كانت لهم اليد العليا في هذا الحراك، وفي مدى قدرتهم في السيطرة على ما يجري وتوجيهه، وإبعاد العشائر عن الأمريكيين والأتراك، والتمويل الخليجي المشبوه، ووضعه تحت سقف الوطن والوحدة الوطنية، وهو ما نتمناه، وعندها سنكون معهم بكل ما نملك، في أي خطوة نراها منهم، ومن أي من الشيوخ الوطنيين الكرام، وهم كثر بين العشائر والقبائل، وكم نتمنى منهم توجيه المنتفضين ضد قسد، لرفع علم الوطن في تحركهم، كمؤشر على أنه يقع تحت سقف الوطن.
من خلال متابعتنا لما يجري، وللبيانات التي صدرت من شيوخ ومن عشائر وقبائل، يمكن أن نتلمس وجود بصمات للدولة السورية، والجيش السوري فيما يجري، كما نتلمس مواقف إيجابية، يمكن البناء عليها، للتخلص من الاحتلال الأمريكي، الذي يقع هو بدوره في مآزق عديدة، يمكن أن تكون فرصة لاستثمارها، وطرده من أراضينا، لكن هذا يحتاج إلى عمل كبير، وخاصة من القيادة السورية، ومن الحلفاء والأصدقاء، نتمنى أن نراها واقعا وتحركاً على الأرض، ونتمنى أن يكون الرأي الأخير هو للدولة السورية والجيش السوري، لأنه لا حل لكل ما يجري، إلا بدخول الجيش السوري، إلى كل هذه المناطق، والسيطرة على كامل خطوط الحدود.
وبالاستفادة من هذه الدروس، لا بد أن نعترف بفشلنا سابقا في بناء تربية وطنية، تجمع كافة مكونات الشعب السوري، تحت سقف الهوية الوطنية الجامعة وثوابتها، التي تجمع كل هذه المكونات، تحت هذه الهوية، مع الاحترام للتنوع والغنى الاجتماعي والديني والثقافي والتاريخي، لكافة مكونات الشعب السوري، حتى تتحول إلى مصدر غنى وفخر للوطن، بدلاً من أن تتحول إلى كارثة، وعامل تفرقة وتناحر، كما رأيناها في الكثير من محطات العدوان على سورية، الذي استطاع الدخول من هذه الأخطاء، لتحقيق أهدافه، وتحويل مكونات من المجتمع السوري إلى حالة عداء مع وطنهم ومجتمعاتهم، وهو ما نتمنى أن نراه برامج عمل للمرحلة المقبلة.